الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً} الضمير للقصة المذكورة أو الفعلة أو السفينة وروي في هذا المعنى أنها بقيت على الجودي حتى نظر إليها أوائل هذه الأمة {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} تحضيض على الإدَّكار فيه ملاطفة جميلة من الله لعباده، ووزن مذكر مفتعل وأصل مدتكر ثم أبدل من التاء دالًا وأدغمت فيها الدال.{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} توقيف فيه تهديد لقريش والنذر جمع نذير.{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ} أي يسرناه للحفظ، وهذا معلوم بالمشاهدة، فإنه يحفظه الأطفال الأصاغر وغيرهم حفظًا بالغًا بخلاف غيره من الكتب، وقد رُوي أنه لم يحفظ شيء من كتب الله عن ظهر قلب إلا القرآن. وقيل: معنى الآية سهلناه للفهم والاتعاظ به لما تضمن من البراهين والحكم البليغة، وإنما كرر هذه الآية البليغة وقوله: {فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر: 37، 39] لينبه السامع عند كل قصة، فيعتبر بها إذ كل قصة من القصص التي ذكرت عبرة وموعظة، فختم كل واحدة بما يوقظ السامع من الوعيد في قوله: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}، ومن الملاطفة في قوله: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}.{رِيحًا صَرْصَرًا} أي مصوته فهو من الصرير يعني الصوت وقيل: معناه باردة فهو من الصر {فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ} رُوي أنه كان يوم أربعاء، حتى رأى بعضهم أن كل يوم أربعا نحس ورووا: آخر أربعاء من الشهر يوم نحس مستمر.{تَنزِعُ الناس} أي تقلعهم من مواضعهم {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} هلكوا بذلك لأنهم طوال عظام الأجساد كالنخل، وقيل: كانت الريح تقطع رؤوسهم فتبقى أجسادًا بلا رؤوس، فشبههم بأعجاز النخل لأنها دون أغصان: وقيل: كانوا حفروا حفرًا يمتنعون بها من الريح. فهلكوا فيها فشبههم بأعجاز النخل إذا كانت في حفرها.{أَبَشَرًا} هو صالح عليه السلام، وانتصب بفعل مضمر والمعنى أنهم أنكروا أن يتبعوا بشرا وطلبوا أن يكون الرسول من الملائكة، ثم زادوا أن أنكروا أن يتبعوا واحدًا وهم جماعة كثيرون {وَسُعُرٍ} أي عناد، وقيل: معناه جنون، وقيل: معناه هم وغم وأصله من السعير بمعنى النار. وكأنه احتراق النفس بالهم.{أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا} أنكروا أن يخصه الله بالنبوة دونهم، وذلك جهل منهم، فإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء {أَشِرٌ} بطر متكبر.{وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الماء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} أي لهم يوم وللناقة يوم من غير أن يتعدوا على الناقة، فالضمير في {نَبِّئْهُمْ} يعود على ثمود. وعلى الناقة تغليبًا للعقلاء، وقيل: إن الضمير لثمود، والمعنى لا يتعدى بعضهم على بعض {كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ} أي مشهود.{فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ} يعني: عاقر الناقة واسمه قدار وهو أحيمر ثمود وأشقاها {فتعاطى} أي اجترأ على أمر عظيم، وهو عقر الناقة وقيل: تعاطى السيف.{صَيْحَةً وَاحِدَةً} صاح بها جبريل صيحة فماتوا منها {فَكَانُواْ كَهَشِيمِ المحتظر} الهشيم هو ما تكسر وتفتت من الشجر وغيرها، والمحتظر الذي يعمل الحظيرة وهي حائط من الأغصان أو القصب ونحو ذلك، أو يكون تحليقًا للمواشي أو السكنى فشبه الله ثمود لها هلكوا بما يتفتت من الحظيرة من الأوراق وغيرها، وقيل: المحتظر المحترق.{حَاصِبًا} ذكر في [العنكبوت: 40].{فَتَمَارَوْاْ بالنذر} تشككوا {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ} الضيف هنا: هم الملائكة الذين أرسلهم الله إلى لوط، ليهلكوا قومه. وكان قومه قد ظنوا أنهم من بني آدم، وأرادوا منهم الفاحشة فطمس الله على أعينهم، فاستوت مع وجوههم، وقيل: إن الطمس عبارة عن عدم رؤيتهم لهم، وأنهم دخلوا منزل لوط فلم يروا فيه أحدًا.{أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ} هذا خطاب لقريش على وجه التهديد، والهمزة للإنكار ومعناه: هل الكفار منكم خير عند الله من الكفار المتقدمين المذكورين، بحيث أهلكناهم لما كذبوا الرسل وتنجون أنتم وقد كذبتم رسلكم؟ بل الذي أهلكهم يهلككم {أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزبر} معناه أم لكم في كتاب الله براءة من العذاب؟{أَمْ يَقولونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ} أي نحن نجتمع وننتصر لأنفسنا بالقتال.{سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر} هذا وعد من الله لرسوله بأنه سيهزم جمع قريش، وقد ظهر ذلك يوم بدر وفتح مكة.{إِنَّ المجرمين فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ} المراد بالمجرمين هنا الكفار وضلالهم في الدنيا، والسعر لهم في الآخرة وهو الاحتراق، وقيل: أراد بالمجرمين القدرية لقوله في الرد عليهم: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} والأول أظهر {يُسْحَبُونَ فِي النار} أي يجرون فيها {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} المعنى أن الله خلق كل شيء بقدر، أي بقضاء معلوم سابق في الأزل، ويحتمل أن يكون معنى {بِقَدَرٍ} بمقدار في هيئته وصفته وغير ذلك، والأول أرجح وفيه حجة لأهل السنة على القدرية. وانتصب كل شيء بفعل مضمر يفسره خلقناه.{وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بالبصر} عبارة عن سرعة التكوين ونفوذ أمر الله، والواحدة يراد بها الكلمة وهي قوله كن: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ} يعني أشياعكم من الكفار {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزبر} أي كل ما فعلوه مكتوب في صحائف الأعمال {مُّسْتَطَرٌ} أي مكتوب وهو من السطر. تقول سطرت واستطرت بمعنى واحد، والمراد الصغير والكبير من أعمالهم وقيل: جميع الأشياء {وَنَهَرٍ} يعني أنهار الماء والخمر واللبن والعس واكتفى باسم الجنس {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} أي في مكان مرضي. اهـ.
|